ليست قضايا تجعلنا ندير ظهرنا للأزمة لتتفاقم وتقود الى تدخل المحكمة الجنائية الدولية، واذا كان هناك جدية لما تطورت هذه القضية حتى صارت تهدد مستقبل السودان. هناك تهاون وميل الى الحلول العسكرية أكثر من مخاطبة جذور المشكلة. والعمل العسكري مؤقت ولا بد من الجلوس في نهاية المطاف للتفاوض كما فعلنا بالنسبة لمشكلة الجنوب التي استمرت الحرب فيها لأكثر من أربعين عاماً لتحل في نهاية الامر عبر التفاوض ينبغي ان نبتعد عن أي حل عسكري في دارفور لأن الاخوة في دارفور هم سودانيون ولهم الحق في المشاركة في السلطة المركزية حسب حجمهم السكاني وان يديروا شأنهم في اقليمهم بأنفسهم وان ينالوا تعويضات عن أي خسائر قد تكون تمت في دارفور اثناء الحرب.
ü حدث تصعيد أمني مؤخراً في معسكر كلمة، ألا يؤثر ذلك على فرص الحل السلمي في دارفور؟
بالتأكيد سيؤثر ولذلك فاننا في الحركة الشعبية وكشركاء في حكومة الوحدة الوطنية أدنا ما جرى في كلمة من عنف، فقد كان الامر مجرد تفتيش داخل المعسكر واذا كان المسؤولون يعلمون ان نتائج هذا التفتيش ستقود الى آثار سالبة بمثل هذه الضخامة كان الاولى أن يتجنبوا ذلك خاصة في الظرف الذي نحن فيه حيث تواجه ضغوطاً دولية جراء مشكلة دارفور وبالتالي لا يمكن أن نصب مزيداً من الزيت على النار المشتعلة أصلاً، وما جرى نتيجة لاحداث كلمة لم يقف عند حد تجميد الحركة الشعبية لمشاركتها في حكومات دارفور الثلاثة، ولكن الامر تفاقم ووصل حد أن يستقيل عدد من اعضاء المؤتمر الوطني من أبناء دارفور في حكومة جنوب دارفور من مناصبهم .
* المؤتمر الوطنى وصف خطوة بتجميد مشاركتها فى حكومات دارفور بأنه محاولة للكسب السياسى ؟
- تعجبت عندما قرأت حديث مندور المهدي عن ان تجميد مشاركة الحركة في حكومات دارفور ما هو إلا محاولة للكسب السياسي، فماذا يقول عن اعضاء المؤتمر الوطني الذين استقالوا نهائياً ولم يجمدوا مشاركتهم كما فعل اعضاء الحركة، فهل سلوكهم ذلك ايضاً كسب سياسي للمؤتمر الوطني؟.. اعتقد اننا كحكومة وكمسؤولين لدينا مسؤولية تجاه شعبنا وهذه المسؤولية تفرض علينا التعامل مع القضايا الوطنية بطريقة مسؤولة، والطريقة التي تم التعامل بها مؤخراً في معسكر كلمة هو تعامل غير مسؤول لأن الذين فعلوا ذلك واضح أنهم لم يكن في رأسهم إلاّ الجانب العسكري ولم يكن في تقديرهم الاثارة السياسية لما فعلوه وان السودان يواجه مشاكل الآن بسبب دارفور وبسبب ما يقومون به من اعمال، فجرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية هي سلوك يقوم به عناصر الأمن والجيش، والحكومة تتحمل ذلك.. نحن في الحركة الشعبية لا نجامل في المسائل الوطنية الكبيرة، لأن هذه مصائر شعب ونحن شعب وحكومة مهددون من المجتمع الدولي بسبب هذه الافعال.. احياناً اتفاءل ولكن تأتي افعال مثل التي جرت بمعسكر كلمة لتصيبني بالاحباط وتجعلني اتساءل هل نحن في حكومة الوحدة الوطنية نقرأ من ورقة واحدة أم ان أوراقنا مختلفة.
ü جاء المبعوث الصيني الى الخرطوم في زيارة بدت للمراقبين غريبة، ما هو سبب الزيارة في هذا التوقيت؟
- كيف تكون الزيارة غريبة؟!
ü لم تكن زيارة معلنة من قبل وما الجديد الذي يحمله معه خاصة واننا عرفنا مواقف الصين من قمة مسؤوليها تدعو الحكومة للتعاون مع المحكمة الدولية والتوصل إلى تسوية في دارفور؟
- أولاً المبعوث الصيني لم يلمح مطلقاً بأن بلاده تستخدم حق النقض (الفيتو) وما نقل في صحف الخرطوم كان خاطئاً، فقد ذكر بالنص أنه لا يوجد شئ يستدعى الحديث عن استخدام الصين لحق النقض (الفيتو) لأن القضية لا تزال في اطوارها الأولى وأي حديث عن ذلك سابق لأوانه. على الناس أن يسألوا أنفسهم متى استخدمت الصين (الفيتو) طوال تاريخها؟.. اعتقد انه لا يتجاوز مرتين أو ثلاثة على الأكثر، وفي تقديري أن ما بين السودان والصين حتى الآن لا يرتقي لأن تغامر الصين باستخدام (الفيتو).
ü ألا تحملها مصالحها على فعل ذلك؟
- أية مصالح؟ مصالح الصين مع السودان لا تتجاوز 7 مليارات دولار، لكن هل تعرف حجم مصالحها مع العالم الغربي كم تبلغ.. اعتقد ان مصالحها معنا لا تقارن اصلاً بمصالحها مع العالم الغربي. علينا أن نعمل الشئ الصحيح ولا نخدع أنفسنا.. المبعوث الصيني جاء الى السودان لأن هناك صداقة تربط بلاده معنا ولكن موقفهم واضح وهو ضرورة ان نتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية. وقد كان موقفها مؤيداً للقرار 1593 الذي احيل بموجبه الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية عام 2005 ولم تعترض على ذلك القرار حتى روسيا، ولم يحدث حتى الآن ما يستدعي الصين لأن تغير موقفها ولابد من التساؤل ضد من تستخدم الصين حق الفيتو؟ هل يمكن ان تستخدمه ضد نفسها لأن المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بحسب قرار مجلس الأمن الدولي 1593 هو مكلف من قبل الصينيين أنفسهم.
ü اذاً ما الذي حمله معه المبعوث الصيني في زيارته هذه؟
- المبعوث حضر أيضاً للحديث عن المحكمة الدولية ضمن أشياء أخرى، وقد حث الحكومة على التعاون مع المحكمة الدولية والمجتمع الدولي، وقد زار جوبا واجتمع الى النائب الاول لأن الصين لديها مصالح في كل انحاء السودان. أهم شئ علينا ألا نتوقع أن تستخدم الصين حق الفيتو لصالحنا، لأن ما تقوله الصين لنا هو نفس ما يطالب به المجتمع الدولي السودان وجميعهم يحاولون أن يصلوا مع السودان الى حلول توافقية وان نتعامل مع المجتمع الدولي.
ü حتى الولايات المتحدة وفرنسا يسعون الى ذلك؟
- نعم وكانت آخر زيارة للوفد الفرنسي الذي التقيته أمس ليلاً واليوم (الإثنين والثلاثاء - من المحرر) تحمل نفس الرسائل وهي لابد من أن نتعاون مع المجتمع الدولي وألا نخرج على الاجماع الدولي حتى يستطيعوا مساعدتنا .. هذا حديث الامريكيين والبريطانيين والفرنسيين والصينيين وغيرهم. علينا أن نعرف قدر أنفسنا، فنحن لسنا دولة عظمى لا في العالم ولا حتى في الاقليم.. نحن سودانيون وعلى قدر حالنا. الفترة المتبقية حتى صدور قرار قضاة المحكمة الدولية فترة قصيرة ولا بد أن نفعل شيئاً قبل حلول يوم 15 اكتوبر لأننا ان لم نفعل شيئاً فان احتمالاً كبيراً أن يصدر قرار القضاة بالمحكمة الدولية. واذا ما صدر أمر توقيف بحق السيد الرئيس فإن ذلك سيعقد المشكلة أكثر لذا فان اصرارنا في الحركة الشعبية على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية من أجل ايقاف صدور أمر التوقيف بحق السيد الرئيس أو يؤجل ذلك في أسوأ الفروض.
ü ما هو المطلوب تحديداً من الحكومة حتى تتجنب صدور مذكرة توقيف ضد رئيس الجمهورية؟
- بالنسبة لقضية احمد هارون وعلي كوشيب يمكن للحكومة أن تتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق محامين سودانيين أو أجانب، وأيضاً بالنسبة لقضية السيد الرئيس الذي يتهمه المدعى العام للمحكمة الدولية.
ü الرئيس لم يتهم بعد من قبل المحكمة ما تم حتى الآن طلب بتوجيه الاتهام له؟
- نعم ولكن هناك طلب اتهام ولابد ان نتعامل عبر المحامين مع هذا الطلب على انه طلب باطل نتيجة للأسباب الآتية كما سيفندها القانونيون. واذا لم نفعل ذلك فإن المرحلة التالية من قبل المحكمة ستكون صدور امر توقيف بحق رئيس الجمهورية. لماذا يريد المؤتمر الوطني ان يحدث ذلك؟ اننا نسعى لان نوقف صدور امر القبض بحق السيد الرئيس أو نؤجله على اسوأ الفروض حتى نتمكن من حل مشكلة دارفور التي ستقود الى اغلاق ملف المحكمة من خلال المصالحة الوطنية التي ستسلب المحكمة الدولية حججها. نستغرب لماذا لا يرى المؤتمر الوطني هذه الحقيقة ويسند ظهره الى الحائط بعد ان يغلق الباب، نحن في الحركة نرى ان ذلك سيقود حتماً المجتمع الدولي الى تحطيم هذا الباب فوق رؤوسنا اذا ما اصررنا على هذا السلوك في التعامل معه. اننا لا نريد أن يحدث هذا، بل نريد ان نظهر في العالم بمظهر جيد واننا دولة تحترم القوانين الدولية وتتعامل مع الامور بصورة حضارية. هذا هو موقفنا في الحركة الشعبية.
ü هل هناك استعداد داخل حكومة الوحدة الوطنية من أجل تقديم تنازلات لحل قضية دارفور حتى اذا ما أثر ذلك على اتفاقية السلام الشامل؟
- أولاً اتفاقية السلام الشامل ليست خصماً على أي اتفاق سلام آخر في السودان، بل اننا قلنا ان الاتفاقية تمثل اطاراً مناسباً لحل بقية مشاكل السودان الاخرى، وأية تنازلات تأتي عن طريق المفاوضات، وقلت سابقاً أن مطالب حركات دارفور التي طرحت في الجولات السابقة ليست سبباً ليجعلنا نتقاتل بهذه الضراوة حتى يتدخل المجتمع الدولي ويصل الامر الى المحاكم الدولية. ولكن لا يمكن أن تتحدث عن تنازلات قبل الدخول في مفاوضات. والتنازلات امر لابد منه وهي من الجانبين الحكومة والحركات المسلحة حتى يصل الناس الى حلول وسطى.
ü هل سيشارك الرئيس في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستنطلق منتصف هذا الشهر؟
- حتى الآن لم نتخذ قراراً في هذا الخصوص، ولكن عموماً لا يوجد شيء حتى الآن يمنع الرئيس من المشاركة في الاجتماعات.
ü كيف تقيمون المواقف داخل مجلس الامن وفي البلدان المؤثرة فيه بخصوص ازمة المحكمة الدولية، هل هناك مواقف ايجابية لصالح السودان؟
- ما أود أن أقوله إن لمجلس الامن السلطة للتدخل حتى الآن في ايقاف صدور القرار من قضاة المحكمة، وفي نفس الوقت ايقاف تنفيذه اذا ما صدر ، لكن الافضل بالنسبة لنا ان يتدخل مجلس الامن الآن للحؤول دون صدور أمر التوقيف بحق السيد الرئيس، لكن حتى يفعل مجلس الأمن ذلك هناك أشياء مطلوبة منا.
ü ما هذه الأشياء؟
- أولاً التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية والشروع وبجدية من أجل حل مشكلة دارفور. اذا ما قمنا بهذا فانه بامكاننا ان نطلب من اصدقائنا التحرك من أجل حمل مجلس الامن على الطلب من المحكمة الجنائية الدولية وايقاف صدور قرار التوقيف بحق رئيس الجمهورية، لكن للأسف لم يتبقَ امامنا من الزمن سوى شهر حتى يحدث ذلك وحتى الآن فاننا في الحركة الشعبية لا نرى جدية من قبل المؤتمر الوطني للتحرك على هذين الصعيدين من أجل تلافي المشكلة.
ü بعض المسؤولين في الحكومة والمؤتمر الوطني يلمحون الى أن هناك مطالب أخرى غير التي ذكرتها الآن؟
- مثل ماذا؟
ü استقالة الرئيس وتغيير توجهات النظام وتركيبة الحكم فيه؟
- هذا كلام عارٍ من الصحة تماماً، نحن نتعامل مع ما هو موجود على سطح الطاولة وليس مع التخمينات، استطيع ان اقطع انه لا يوجد أحد طالب بتغيير النظام.
ü مدير المخابرات تحدث عن ضغوط من أجل تغيير تركيبة نظام الحكم؟
- لا يوجد مطلب مثل هذا اطلاقا، لم يقل أحد باستقالة الرئيس، لأن استقالته تعني عملياً ان يأتي رئيس جديد ويكون حكومته، مثل هذه المطالب غير موجودة وغير مقبولة أيضاً من جانبنا. كما ذكرت لكم كل المطالب التي سمعناها من الوفود الدولية التي زارت البلاد أو من وفودنا عندما تحركنا في اوروبا وامريكا هي هذين المطلبين. أي حديث عن مطالب أخرى غير ذلك لا اريد ان اسميها (كلام جرايد) يضحك.
ü سألت قبل فترة أحد المسؤولين في وزارة الخارجية عن حقيقة المطالب الامريكية، فذكر انها تغيير توجهات المؤتمر الوطني وبعض قياداته التي تتبنى هذه التوجهات في قمة الحكومة؟
- أبداً لا توجد أي مطالب مثل هذه.
* هل يمكن أن تبطل استقالة الرئيس اجراءات اصدار امر توقيف ضده؟
- باستغراب: لا يوجد أي حديث عن استقالة الرئيس أصلا، لان ذلك حق اصيل للشعب السوداني ولا يخضع لاملاءات من قوى خارجية إلا أن تستخدم القوة العسكرية، وهذا امر غير وارد على الاطلاق، ولم يذكر أي مسؤول دولي أنهم بصدد التدخل عسكرياً في السودان